Page Nav

HIDE

Grid

GRID_STYLE
آخر الأخبار

عسو أوباسلام.. مقاوم شرس قهر جيوش “الفرنسيس” وحقق “معجزة بوكافر”

عسو أوباسلام.. مقاوم شرس قهر جيوش “الفرنسيس” وحقق “معجزة بوكافر” من شبه المؤكد أن عددا كبيرا من أبناء جيل القرن الواحد والعشرين، لا يعرف شيئ...

عسو أوباسلام.. مقاوم شرس قهر جيوش “الفرنسيس” وحقق “معجزة بوكافر”

من شبه المؤكد أن عددا كبيرا من أبناء جيل القرن الواحد والعشرين، لا يعرف شيئا عن شخوص قدموا الغالي والنفيس من أجل أن ينعموا بحياة أفضل، إذ إنه بفضل تضحياتهم الجسام تأتت الكثير من المكتسبات، فنُقشت أسماء بعضهم بأحرف من ذهب على ألواح التاريخ، فيما ظلت أسماء البعض الآخر تُصارع النسيان. ومن بين هؤلاء؛ رجل وُصِف بالأسد، ذو نظر ثاقب، شديد التصوف والاستقامة والتدين، قليل الكلام، لكن كلما نطق وزن حديثه ليلامس عين الصواب، لذلك يرى فيه أبناء عشيرته حكيم المنطقة، بيد أن جل القرارات المتخذة يتم فيها الرجوع إليه من أجل الحسم فيها، إنه عسو أوباسلام، المقاوم الذي قهر الإستعمار الفرنسي في معركة بوكافر، فأصبح اسمه مرتبطا أشد ارتباط بهذه الواقعة الخالدة في تاريخ المغرب الحديث.

عسو أوباسلام، هو ابن علي أوباسلام شيخ عشيرة “إيلمشان” المنحدرة من قبيلة “آيت عطا”، المستقرة قرب مدينة تنغير بالجنوب الشرقي للمغرب، هو أيضا ذاك الشاب الذي اشتغل في التجارة منذ ريعان شبابه، مما منحه فرصة التعرف عن كثب على نوايا المستعمر الفرنسي، خلال رحلاته التجارية التي قادته صوب مراكش، فتم تعيينه شيخا على ذات القبيلة سنة 1919 نظرا لما أبان عنه من حنكة وصلابة خلال المعارك التي خاضتها عشيرته ضد قبائل أخرى وكذا ضد تزايد نفوذ الكلاويين، فعُيِّن عاما واحدا بعد ذلك التاريخ في أعلى منصب لدى قبيلة آيت عطا، وهو “أمغار نُوفلَّا” (أي الشيخ الأكبر أو الأعلى)، وهو تعيين تم حسب الطقوس التي تعتمدها القبيلة بشتى فروعها وأفخاذها.

وجد عسو نفسه بعد هذا الانتخاب أمام تحد كبير، حيث بات من الواجب عليه وقف زحف المستعمر على أراضي آيت عطا، وكذا كبح الهجمات التي يشنها الكلاوي ورجاله بين الفينة والأخرى من أجل بسط سيطرته على مناطق نفوذ العطاويين، وعلى إثر رباطة الجأش التي أبان عنها عسو في تحصين أراضي قبيلته، بدأ المستعمر في استعمال طريقة أخرى لتليين عوده، حيث عرض على عسو أوباسلام العديد من المناصب و الإمتيازات المغرية، مقابل الكف عن المقاومة، غير أن عسو دائما ما يُجيب بالرفض، فلم يسِل لُعابه لكل تلك الإغراءات.

اشتد عود عسو أوباسلام في ثلاثينيات القرن العشرين، فاستطاع توحيد جميع قبائل آيت عطا وحثهم على “الجهاد” ضد المستعمرين الذين وصفهم بـ”الروم الكفار” وضد “الخونة” المتمثلين في الكلاويين، بقيادة التهامي الكلاوي الذي كان همه آنذاك هو إشباع رغباته التوسعية والمادية والجسدية، بعد أن أحكم سيطرته على الجنوب انطلاقا من مقره بمراكش، غير أن حِيَلَهُ (الكلاوي) لم تنطلِ على آيت عطا الذين يقودهم عسو أوباسلام، فسطع نجم هذا الأخير في معركة بوكافر التاريخية سنة 1933، حيث حشد همم جميع أطياف آيت عطا شبابا وشيوخا ونساء وأطفال من أجل الموت في سبيل الأرض، ودفاعا عن شرف الأمازيغ، ولتطهير المنطقة من كل الأطماع الإستعمارية والتوسعية التي كان هدفها نهب الشجر والحجر واستعباد البشر.

كان منخفض بوكافر بالأطلس الصغير -ولايزال- شاهدا على حرب شرسة أبان فيها العطاويون عن شراسة قل نظيرها. ففي هذا الصدد يحكي “حماد” وهو شيخ لازالت ذاكرته تحتفظ ببعض الأحداث المتعلقة بهذه المعركة: “كان آيت عطا يثقون كثيرا في عسو، فهو بمثابة المستشار في كل كبيرة وصغيرة، وأثناء الحرب وبمساعدة عدد من القادة تم رسم خطة مُحكمة من أجل مقاومة الفرنسيس ، حيث تمركز المجاهدون في نقط استراتيجية مهمة بجبال صاغرو ونواحيه ودام زهاء 44 يوما إلى أن استسلم عسو”.

هو استسلام جاء على شاكلة نهاية مقاومة عبد الكريم الخطابي في الريف، حيث واجه المقاومون الإستعمار بعنفوان رغم قساوة الظروف الطبيعية والمناخية، بيد أن رجال عسو أوباسلام والذين يبلغ عددهم قرابة الـ5000، ورغم كونهم مسلحين ببنادق تقليدية إضافة كميات متواضعة من البارود فضلا عن الخناجر والمعاول، إلا أن اتحاد آيت عطا كبّد الإستعمار خسائر جسيمة في أرواح الجنود وأبرز الضباط وهو الأمر الذي حير كبار قادة الجيش الفرنسي مما استدعى استقدام مزيد من القوات التي وصل تعدادها إلى أزيد من 70 ألف فرد مدعمين بطائرات حربية فاشتد الحصار على المقاومين خاصة بعد مقتل آلاف المدنيين من أطفال ونساء وشيوخ وكذا بعد استهداف أهم النقط الإستراتيجية التي كان يتزود من خلالها المقاومون بالماء.

عسو وكعادته كان عنيدا وشرسا تجاه المستعمر، فقد استطاع – في ما يشبه- “المعجزة” من تمديد أمد الحرب من 12 فبراير (1933) إلى غاية 24 مارس من ذات السنة، رغم الجوع والعطش والبرد ووابل الرصاص الذي ينهال على رجاله من كل حدب وصوب، ولمَّا فطِن عسو إلى أن المستعمر أخذ يشن حرب إبادة ضد آيت عطا وأن الموت هو مصير الآلاف منهم، خاصة مع الحصار المفروض عليهم عبر السيطرة على الطرق وقتل المواشي وتدمير الآبار، اضطر في آخر المطاف إلى وقف الحرب والتفاوض مع المستعمر وفق شروط كانت كلها في صالحه، من بينها بقاؤه في منصب الشيخ، وإعفاء المرأة العطاوية من الرقص والمشاركة في الحفلات التي تنظمها سلطات الإستعمار، وعدم السماح للكلاويين بالتقدم أو السيطرة على مناطق آيت عطا، وكذا استرجاع كافة ممتلكات المقاومين التي تمت مصادرتها منهم ظلما وعدوانا، فضلا عن إعفائهم من الضرائب المفروضة عليهم.
استسلام وإن كان قد حفظ لآيت عطا ماء وجههم، إلا أن عددا منهم عاتبوا على عسو أوباسلام تفاوضه مع الإستعمار، فنُظِمَت قصائد أمازيغية تهجي ما قام به عسو، لأن أغلب العطاويين كانوا يفضلون الموت بشرف في ساحة الوغى دفاعا عن أرضهم ومعتقداتهم، هو أيضا عتاب على عسو لأنه رد على رسالة من الإدارة الإستعمارية تطالبه بوقف مقاومته، (رد عليها) قائلا:” على الذي صاغ هذه الرسالة أن يأتي إلى هنا ليتلقى الجواب”، وسرعان ما تغيرت وجهت نظره، إلا أن العديد من المؤرخين يُجمعون على أن ما فعله عسو أوباسلام هو عين الصواب حقنا لدماء العطاويين، خاصة وأنه فقد خلال هذه الحرب اثنين من أبنائه وزوجته وأحد أشقائه.

بطولة عسو وباقي أبناء قبيلة آيت عطا، الذين قُتل 4000 آلاف منهم وسبعمائة من المقاتلين، اعترف بها كبار قادة الجيش الفرنسي الذين واجههوم حيث كتب القبطان الفرنسي جورج سبيلمان “كنت أتأمل بحزن جبل بوغافر وهو آخر معقل للمحاربين الشجعان الذين يفضلون أن يمزقوا إربا إربا على أن يستسلموا وكانوا مرفوقين بزوجاتهم وأبنائهم وماشيتهم”، وعن عسو كتب أيضا “لقد عرفته كأمازيغي صلب يزهو ويفتخر بانتمائه، يتميز بشخصية قوية، استطاع أن يجمع حوله كل الرافضين لسيطرة فرنسا والتهامي الكلاوي”، فيما كتب عنه الكولونيل ماثيو”، “لقد كان عسو رجلا ذو نظر نفاذ وعينين صغيرتين سوداوين وماكرتين وكأن السحر ينبعث منهما.. عسو يتكلم قليلا لكن كل تدخلاته تكون دائما مدعمة بحجج وحلول ملموسة وكان رجلا ذا كلمة..”

بقي عسو في منصبه وتم تعيينه في مهمة بمحكمة الإستئناف في منطقة إغرم أمازدار، وتقلد منصب قائد سنة 1939، ثم عينه الملك الراحل محمد الخامس قائدا سنة 1956 بعد عودته من المنفى، وحظي بتكريم وتشريف كبيرين من طرف عاهل البلاد حيث اعتبر واحدا من أبطال الوطن، نظرا للتضحيات الجسام التي قدمها لبلده وأرضه، استمر في هذه المهمة إلى أن توفي في السادس عشر من غشت سنة 1960، حيث تضاربت الروايات بين قائل إن وفاته كانت بسبب إصابة لازمته منذ خوضه لإحدى المعارك، وبين قائل بأن المنية وافته بسبب مرض السكري، ليبقى اسمه عالقا في ذهن عدد كبير من أبناء المنطقة الذين يحاولون جاهدين الحفاظ على ذكرى معركة بوكافر كإرث ثقافي يتم الإحتفاء به كل سنة، فيما غابت هذه المبادرات على المستوى الرسمي وكذا في المقررات الدراسية الحالية مما استعصى على الناشئة أخذ فكرة عن جزء من ماضيها الذي رسم خارطة طريق حاضرها ومستقبلها.

ليست هناك تعليقات